الاثنين، 21 فبراير 2011

خطاب يختصر الفكر السياسي العربي

في اقل من 24 ساعة، نال خطاب سيف الاسلام القذافي من التنديد والاستنكار وأسال حبرا يزيد عن كل ما اسالته خطابات رئيس جمهوريتنا منذ توليه الحكم.

لقد قيل أنه يحمل تهديدات للداخل بالحرب الاهلية وبانهار الدماء وخسارة النفط والعودة الى زمن لم يكن الليبيون يعرفون فيه المدارس والمستشفيات. قال سيف الاسلام أنه وأبيه واخوته متمسكون بالسلطة لأنهم العلاج الوحيد المتوفر لأمراض ليبيا التي لا علاج لها. إذا ازيح "قائد الشعب" القذافي الأب، سيعود الاستعمار وستغرق البلاد في لجج عميق من اللهب والنار والموت. هم أو الدمار العميم، قال. كما وجه تهديدات الى الخارج ملوحا بقيام دويلات اسلامية ارهابية محذرا من تدفق اللاجئين الليبيين والأفارقة على اوروبا.

المهم في الخطاب، انه كشف الخطاب الحقيقي المضمر للحكم في ليبيا ونزعم انه خطاب الانظمة العربية كلها. بعد عقود من التغني بالقومية العربية والتكوين الطبيعي للوطن العربي الذي جزأه الاستعمار، جاء ابن من ملأ الدنيا ثرثرة ولغوا عن العرب والعروبة والتواصل الطبيعي، ليقول بكلمات لا لبس فيها ولا تأويل لها أن ليبيا انشأتها شركة نفط أميركية للحيلولة دون اقتتال ابناء الوطن الواحد على غرار ما جرى عام 1936. واعلن أن ما من شيء يجمع الليبيين في بلد واحد سوى حاجتهم الى استغلال النفط، المورد الوحيد لرزق البلاد وسكانها. ومن باب أولى ألا تكون أي مبررات لوحدة عربية من المحيط الى الخليج من دون نفط. الرسالة الخالدة لا تطعم خبزا على ما كشف القذافي جونيور لنا.

ولعلها المرة الأولى التي يخرج شخص من صلب نظام عربي حاكم ليسمي الأمور بأسمائها الصريحة من دون لف ودوران: نحن نتيجة الاستعمار وأخوتنا ناجمة عن حاجتنا الى الخبز. لم يصارح حاكم عربي مواطنيه بكلمات على الدرجة هذه من الوضوح منذ ان توقف بث محاكمات الجزراوي، على الأقل.

وطرح القذافي الابن امامنا، الحقيقة الوحيدة للخطاب السياسي العربي، بما هو تكثيف لفكر سلطة تقوم على القسر والقمع والانتهاك، لكنها لا تجرؤ على اظهار وجهها الحقيقي الا لضحاياها. 

جفت الاقلام ورفعت الصحف.


حسام عيتاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق