الجمعة، 4 فبراير 2011

طريق المستقبل يمر من مصر


 

يشق شباب مصر اليوم طريق المستقبل العربي. ويقاتل النظام دفاعاً عن الماضي والاستبداد والتحجر في كل منطقتنا. ليس أوضح من قسمة كهذه، على الأقل في اللحظة الحالية، قبل ظهور الحسابات الاستراتيجية وبعده. وقبل أخذ الحساسيات الإقليمية في الحسبان وبعده.
مصر، بطليعتها الشابة، قالت كلمتها. الحرية. وكل ما سيأتي تفاصيل. لا يجوز نكران أهمية التفاصيل هنا وتأثيرها في صوغ الحكم المقبل. فإن سقط الحكم بقوة الشارع أو بتدخل من الجيش، سنكون أمام واقع مختلف عن ذاك الذي سينشئه تخلي الرئيس حسني مبارك بإرادته، عن السلطة.
ونجاح الحوار في التقدم نحو ضمانات يلتزم الحكم فيها بالنقاط التي ذكرها مبارك في خطابيه (اللذين لم يحملا أي اقتراحات تنفيذية)، من دون حركات التفافية ومحاولات للتذاكي والقفز فوق الحقائق التي أفرزتها أحداث الأيام العشرة الماضية، سيوفر دليلاً على رغبة السلطة في حقن دماء المواطنين، وعلى حسن نيتها. العكس، بما يتضمن من حصر خيارات المعارضة بالإسقاط العنيف لمبارك وحكومته في الشارع أو بدبابات الجيش، سيعني أن الحكم الحالي دفع السلطة المقبلة إلى تبني خيارات جذرية، في الداخل والخارج، لن يكون سهلاً على الأنظمة العربية الأخرى قبولها.
تجذّر المطالب يوماً بعد يوم وتأخر النظام في تفهم عمق التحرك واتساعه، هما ما يجعل الغرب يحض مبارك على «بدء عملية التغيير وانتقال السلطة». بداهة أن أصحاب العداء الفطري للغرب لن يروا في ما تقوله إدارة باراك أوباما والحكومات البريطانية والفرنسية والألمانية (من بين آخرين كثر)، سوى تخلي السيد عن تابعه.
مرة جديدة، يخطئ أصحاب النظرة التبسيطية تلك. فالغرب يدرك تمام الإدراك أن مزيداً من الدماء في الشارع يعني المزيد من ارتفاع مطالب المعارضة والمزيد من التشدد في كيفية تحقيقها مطالبها ومحاسبة الأطراف التي تأخرت في تأييد الثورة. بهذا المعنى يمكن فهم المتحدث الأميركي الذي قال إن بلاده كانت تريد «تغييراً بالأمس».
سيكون أجدى النظر الى المستقبل والتفكير في أهمية الاستجابة للمطالب العادلة لشبان لم يعرفوا سوى المهانة والذل على أيدي «باشوات» النظام، بدلاً من التوسع في ذكر مثالب الحكم الذي أبدى برودة مَرَضية في تجاهل مآسي المصريين، منذ عقود.
وسيكون أجدى أيضاً، لبعض زملاء مبارك في الاستبداد وإن خالفوه في «الاعتدال»، الانتباه إلى الحقائق العارية التي حركت مصر وتونس قبلها والى المطالب البسيطة والعميقة، في آن، للشعبين المصري والتونسي، بالحرية واحترام إنسانية الإنسان وتداول السلطة سلماً. مسائل الصراع العربي- الإسرائيلي والعلاقات مع الغرب لم تحضر في خطاب المعارضة المصرية سوى من زاوية التنديد بتفريط مبارك بحقوق وكرامة مصر وليس من أي زاوية إيديولوجية. وهذه نقطة كبيرة الأهمية.
وفي استعارة لعبارة المسرحي الألماني بريخت، نقول انه «بما أن الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فإن الأمور لن تبقى عند هذا الحد». بكلمات أخرى، يسير الحكم في مصر، منذ 30 عاماً، وليس منذ 25 كانون الثاني (يناير) فحسب، من خطأ إلى خطأ. وعليه ألا يلوم سوى نفسه لما آلت إليه الحال.
الساعات المقبلة مهمة وحاسمة بالنسبة الى مصر أولاً، وبالنسبة ثانياً الى ملايين العرب الباحثين عن الحرية والكرامة ولقمة الخبز.

حسام عيتاني- "الحياة"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق