الأربعاء، 30 يوليو 2014

"داعش" والإسلام التاريخي


عندما يحيل اسلاميون وغير اسلاميين ما تقوم به داعش الى التجربة التاريخية الاسلامية ويمنحونها وغيرها من التنظيمات الجهادية فضيلة الاطلاع الافضل على القراءة التاريخية والتقيد بأحكام الاسلام التاريخي والسير على خطى السلف الصالح، يكون رافضو النهج التكفيري المغالي قد اغلقوا على انفسهم الفخ وباتوا مضطرين الى اللعب في الملعب الداعشي.

وأزعم ان الامر مقلوب. فالتجربة التاريخية ذاتها مشكوك فيها. والاحاديث التي تقيم التنظيمات الاسلامية قراءتها للتاريخ الاسلامي عليها موضع خلاف كبير حتى بين الفقهاء المسلمين. بل ثمة تيارات ترفض الاحاديث النبوية برمتها. وانتماء التنظيمات الجهادية عموما الى الفكر السلفي بصيغته الحنبلية، ينبغي ان يلفت الانتباه مباشرة الى موقف الفقه الحنبلي من الأحاديث.

وقد ذُكر ان الامام ابن حنبل كان يلم "بألف ألف حديث". مليون حديث نبوي كان ابن حنبل قد اطلع عليها وحفظها واقرها كلها. غني عن البيان أن القسم الاكبر من الاحاديث المذكورة موضوع في مراحل متأخرة من التاريخ الاسلامي خصوصا في العصر العباسي حيث استخدمت في السجال السياسي او الديني وحتى القبلي العشائري. وظهر من يضعها لاسباب مختلفة، من ابراز فضل بعض السور وأهمية تلاوتها الى الترويج لسلع وأغذية معينة. في الفقه الحنبلي ثمة تسامح مع هذه الاحاديث الموضوعة وأحاديث الاحاد والضعيفة والمتروكة. وعلى هذه الأسس يقيم الجهاديون "تجربتهم" التي يفترض بنا ان نقر انها اقرب الى الاسلام الأول. فهم يستفيدون من التلاعب بهذه الاحاديث وابراز بعضها والتكتم على الاخر بما يلائم مصالحهم الدنيوية والسياسية الآنية.

من جهة ثانية، تنطوي الاحاديث النبوية على كمية كبيرة من المشكلات. سأختصر الكلام عنها بالقول ان القسم الأكبر منها، حتى الذي يتفق المسلمون عليه باعتباره يشرح كيفية الصلاة واداء مناسك الحج والعبادات والزكاة وعادات الطهارة الخ... موضع شك في اصالته. الفرضية الاقرب الى السياق التاريخي هي ان وعيا جمعيا صاغ هذه الطقوس ومنحها الشرعية عبر نسبتها الى النبي محمد كأحاديث صحيحة ومتفق عليها. لقد سلكت النصوص الدينية الاسلامية ذات المسار الدائري المتسع الذي سبقتها اليه كل النصوص الدينية في العالم: نص الهي، يحتاج الى تفسير وتأويل، ترفده تفسيرات واحاديث ثم تفسيرات للتفسيرات وتأويلات للتأويلات في دائرة لا تتوقف عن الاتساع.

دعونا نذكر على المثال ان خلافا وقع في خصوص عدد الصلوات اليومية وهل هي ثلاث او خمس بسبب غموض النص القرآني وتفاصيلها ثم جرى الاتفاق على انها خمس. طيب. لكن كيف تؤدى؟ هنا تدخل الاحاديث مجددا ... كيفية وضع السنّة تحتاج بدورها الى بحث طويل.

الاحاديث والسنة وضعت على مدى مئات الاعوام. وليس هناك من يمتلك منهجا دقيقا للحكم على الاحاديث ويبين صحتها من عدمها. "علم الرجال" الذي وضع كطريقة لابعاد "الدجاجلة" (كما كان يسمي الامام مالك بعض واضعي كتب المغازي) عن المحدثين الثقاة لا يكفي للجز بصحة او زيف الاحاديث. ولا ان ينتقي من هؤلاء من وضع الاحاديث بحسن نية عن ذاك الذي اراد الترويج لفكرة او سلطة او حتى تجارة.

والآن تأتي القاعدة وداعش للقول انهما يطبقان "التجربة التاريخية" بحذافيرها. وتجدان من "العلمانيين" من يؤيدهما في ذلك. فيتحتم التساؤل عن اي تجربة تاريخية نتحدث؟ ربما الادق الحديث عن تجربة تاريخية متخيلة. بكلمات ثانية، انهم يقيمون تجربتهم التي يعتبرها البعض "الاقرب الى الحقيقة التاريخية" على احاديث وانباء وضعت بعد مئات الاعوام من الاحداث التي يقولون انها تنتسب اليها.

هذه ملاحظات سريعة في شأن الحديث. ربما نعود الى الشأن القرآني.

حسام عيتاني