الجمعة، 25 فبراير 2011

الثورة الليبية بين ماريا كاري وبيونسيه

خصصت ساعات بعد الظهر اليوم للبحث في قضية مثيرة للريبة تنطوي على تآمر أميركي من صنف جديد على الثورة الليبية. فقد قرأت أن الفنانة الاميركية ماريا كاري غنت في حفل أقامه سيف الاسلام القذافي في جزيرة في البحر الكاريبي وحصلت على 1.2 مليون دولار مقابل اربع أغنيات.

وقد نفى سيف الاسلام الواقعة وقال ان شقيقه هنبعل، ضارب الخدم المغربي في سويسرا بالشراكة مع زوجته اللبنانية، هو من أقام هذا الحفل.

الحقيقة التي كشفتها تحرياتي أن المغنية بيونسيه هي التي احيت الحفل في جزيرة سانت بارتولوميو في الكاريبي مقابل مليوني دولار دفعهما هنبعل، فيما خرجت ماريا كاري من القصة مثل الشعرة من العجينة. والمناسبة كانت ليلة رأس السنة 2010 وقد حضرت بيونسيه مع زوجها "جيه زي" الى الجزيرة بطائرة خاصة وغادرا فور انتهاء الوصلة الطربية.

وأقر أني شعرت بخيبة أمل. ليس لهول المبلغ المُبذر ولا للاستلاب الثقافي للاخ هنبعل الذي فضل بيونسيه على شيخ القدود الحلبية صبري مدلل او صباح فخري (على الاقل)، بل لأنني اعتقدت ان السيدة بيونسيه ليست واطية الى هذه الدرجة. فرغم انها تملك حوالي مليار دولار، تذهب لتغني في حفلات هنبعل القذافي. تفو...

الأربعاء، 23 فبراير 2011

لا "للتدخل الانساني"

رغم الالم الذي يولده عنف نظام القذافي ضد الشعب الليبي، ورغم التعاطف الكامل مع مأساة الليبيين، تشكل الفكرة التي يكثر تداولها في وسائل الاعلام الغربية عن قيام قوات من حلف شمال الاطلسي بتدخل انساني لوقف جرائم القذافي، سوء فهم عميق لما يجري في العالم العربي وخطر جدي يهدد الحركة الديموقراطية العربية.

باختصار شديد، سيؤدي أي نزول لقوات الاطلسي في ليبيا وبغض النظر عن الذرائع، إلى اجهاض كل الثورات العربية، التي نجحت والجارية اليوم والتي تتحضر للانطلاق. سيضع الانزال "الانساني" الثورات في خانة عودة السيطرة الغربية على المنطقة وسيمنح انظمة الاستبداد العربية القائمة المزيد من الذرائع للتمسك بالسلطة.

ومن جهة ثانية، سيعني أي تدخل انساني في ليبيا، رفع عقيرة أنظمة الممانعة وممارستها الضغط على قوى التغيير لمنعها من القيام بأي تحرك. بكلمات أخرى، سنكون أمام تكرار للغزو الأميركي للعراق والنتائج الكارثية التي جلبها لقوى التحرر والديموقراطية والتغيير العربية. وسترفع الحكومات العربية التسلطية ذات الشعار الذي رفعته بعد الغزو الاميركي للعراق: التغيير يعني الاحتلال الغربي والاقتتال الطائفي -القبلي.

لا نريد رؤية التاريخ يتكرر على هذه الصورة الكارثية مرتين في أقل من عقد واحد.

حسام عيتاني

الاثنين، 21 فبراير 2011

خطاب يختصر الفكر السياسي العربي

في اقل من 24 ساعة، نال خطاب سيف الاسلام القذافي من التنديد والاستنكار وأسال حبرا يزيد عن كل ما اسالته خطابات رئيس جمهوريتنا منذ توليه الحكم.

لقد قيل أنه يحمل تهديدات للداخل بالحرب الاهلية وبانهار الدماء وخسارة النفط والعودة الى زمن لم يكن الليبيون يعرفون فيه المدارس والمستشفيات. قال سيف الاسلام أنه وأبيه واخوته متمسكون بالسلطة لأنهم العلاج الوحيد المتوفر لأمراض ليبيا التي لا علاج لها. إذا ازيح "قائد الشعب" القذافي الأب، سيعود الاستعمار وستغرق البلاد في لجج عميق من اللهب والنار والموت. هم أو الدمار العميم، قال. كما وجه تهديدات الى الخارج ملوحا بقيام دويلات اسلامية ارهابية محذرا من تدفق اللاجئين الليبيين والأفارقة على اوروبا.

المهم في الخطاب، انه كشف الخطاب الحقيقي المضمر للحكم في ليبيا ونزعم انه خطاب الانظمة العربية كلها. بعد عقود من التغني بالقومية العربية والتكوين الطبيعي للوطن العربي الذي جزأه الاستعمار، جاء ابن من ملأ الدنيا ثرثرة ولغوا عن العرب والعروبة والتواصل الطبيعي، ليقول بكلمات لا لبس فيها ولا تأويل لها أن ليبيا انشأتها شركة نفط أميركية للحيلولة دون اقتتال ابناء الوطن الواحد على غرار ما جرى عام 1936. واعلن أن ما من شيء يجمع الليبيين في بلد واحد سوى حاجتهم الى استغلال النفط، المورد الوحيد لرزق البلاد وسكانها. ومن باب أولى ألا تكون أي مبررات لوحدة عربية من المحيط الى الخليج من دون نفط. الرسالة الخالدة لا تطعم خبزا على ما كشف القذافي جونيور لنا.

ولعلها المرة الأولى التي يخرج شخص من صلب نظام عربي حاكم ليسمي الأمور بأسمائها الصريحة من دون لف ودوران: نحن نتيجة الاستعمار وأخوتنا ناجمة عن حاجتنا الى الخبز. لم يصارح حاكم عربي مواطنيه بكلمات على الدرجة هذه من الوضوح منذ ان توقف بث محاكمات الجزراوي، على الأقل.

وطرح القذافي الابن امامنا، الحقيقة الوحيدة للخطاب السياسي العربي، بما هو تكثيف لفكر سلطة تقوم على القسر والقمع والانتهاك، لكنها لا تجرؤ على اظهار وجهها الحقيقي الا لضحاياها. 

جفت الاقلام ورفعت الصحف.


حسام عيتاني

السبت، 19 فبراير 2011

عن المثقف جابر عصفور





تتردد الكلمات هذه في قلبي وضميري منذ خمسة عشر عاما. ووجدت أن انتصار الثورة المصرية مناسبة لتوضيح بعض الحقائق التي ساهم الجهل والكذب في التعمية عليها.
مختصر الحكاية أنني قرأت في العام 1996 مقالا كتبه جابر عصفور عن الترجمة الى العربية. ويستشهد بانحدار مستوى الترجمة هذه بنقل محمد عيتاني (والدي المتوفى قبل صدور المقال بثمانية أعوام)، لكتاب "الايديولوجية العربية المعاصرة" لعبد الله العروي. ويقول أن السبب الذي حمل العروي على اعادة اصدار كتابه في طبعات تالية بترجمته هو متخليا عن ترجمة العيتاني، هي الأخطاء الفادحة الواردة في الترجمة الأولى التي كان الدافع اليها سعي المترجم في جمع المال.

لقد عدت فعلا الى الطبعات التالية لكتاب العروي المذكور، وقرأت في المقدمة نقدا قاسيا للترجمة السابقة (من دون ذكر اسم المترجم)، واعتقد ان اي قارئ منصف سيوافق العروي على حرصه على أن تأتي الترجمة لائقة بالمضمون. ويحق لأي قارئ الاعتراض على مستوى الترجمة إن وجدها غير مناسبة وغير مقنعة. وأجد، شخصيا، بعض العيوب في ترجمات محمد عيتاني ولا ارتاح دائما الى مستواها. لكن الترجمة علم ومدارس, وإلا لم نكن لنجد عشرات الترجمات للأعمال الكلاسيكية، من اليونانية واللاتينية إلى الانكليزية على سبيل المثال. فتطور الدراسات الكلاسيكية يحتم ظهور ترجمات جديدة تلقي الأضواء على ما عسر فهمه على المترجمين السابقين أو ما أهمل هؤلاء من نقاط تحتمل تفسيرات عدة.

بيد أن هذا نصف الموضوع. النصف الثاني من المسألة، هو أن عصفور ارتاح الى اتهام محمد عيتاني بحب المال، وهي التهمة التي لم تكلف ادارة مجلة "العربي" ناشرة المقال، نفسها عناء التدقيق او التحقق منها، سيرا على سنة راسخة في الصحافة العربية في اعتماد الاستسهال الاهمال ولو على حساب كرامة الاموات والاحياء.

كان على المجلة الكويتية أن تدقق في التشهير الذي وجهه عصفور الى عيتاني. فدوافع الناقد الملهم تتراوح بين الجهل والكذب. وهو ما كان ينبغي ان تنتبه "العربي" اليه ولا تفلت له لجام الأكاذيب. فأنا، ابن محمد عيتاني، المترجم المُتهم بالسعي وراء المال وجمع الثروات من كتاب العروي، افتخر أن الرجل لم يترك لي ولأسرته، بعد ثلاثة وعشرين عاما على وفاته سوى بيت ورثه، هو، عن ابيه. الأموال التي يحكي عصفور عنها، يُسأل عنها مخترعها. أما حياتنا اليومية منذ وعينا على الدنيا فهي حياة حد أدنى، وليست قليلة المرات والأعوام التي وقعنا فيها تحت خطه، خلافا لما افترى عصفور كذبا.  
لكنني وأخوتي فخورون بإرثنا من محمد عيتاني. من أعوام عشنا معه ومع ذكائه اللماح وطيبته اللامتناهية. عشنا مع صدقه ونزاهته وتطلبه العميق للعدالة لكل الناس والكرامة للانسان.
وهذا ما يفتقر اليه خصمه العصفور.
لا اعرف كيف اصف حالة الارتياح التي اصابتني عندما عُين العصفور وزيرا للثقافة في حكومة حسني مبارك الأخيرة. شعرت أن كل الترهات التي كان يعظ فيها في الثقافة والاخلاق والمنشورة في الصحف العربية المختلفة، لم تكف لستر العفن المعتمل في معدنه. الانتهازي السفيه ظهر على حقيقته يوم عز الرجال ويوم كان شباب مصر يقتلون برصاص الزبانية في الميادين والساحات.
نعم المسألة شخصية تماما. المسألة تكمن في كمية الكذب والجهل التي تتيح لشخص من طينة عصفور اتهام المثقفين بتهم لم يعد يستطيع رؤيتها وتلمس معناها لالتصاقها الحميم به. هو الحاصل على جائزتي حسني مبارك ومعمر القذافي، يجد في نفسه ما يكفي من الوقاحة لقبول منصب وزير ثقافة في حكومة دوس الشباب بالخيول. والانكى انه يبرر قبوله الجائزتين بأن اللجنتين اللتين منتحتاهما تضم "كتابا كبارا".

ثم يستقيل عصفور من منصبه. ويجد، لحسن حظه، صحفا تفتح له ابوابها لنشر تبريراته التي لا تقنع طفلا في الرابعة من العمر. فهو قد اكتشف بعد عشرة ايام من توليه المنصب الخطأ الذي ارتكبه. ولديه من القحة ما يجعله لا يعتذر عن الخطأ.

ببساطة نقول ان ما جعله يستقيل هو ذات ما جعله يقبل المنصب. قراءته لموازين القوى في الشارع. لقد ظن العصفور، أن التظاهرات ستُباد بمصفحات حبيب العادلي والامن المركزي وان ابواب السلطة فتحت له أخيرا بعدما تسكع امامها طويلا. وعندما انتبه، بعد عشرة ايام الى ان كفة القوى قد مالت الى شباب الثورة، مال معها بكل صفاقة وخان النظام الذي احسن اليه واستقال.

أخيرا، اذا كانت الأوقات الصعبة هي المختبر الذي يصدر الأحكام على معادن الرجال والنساء، فقد أصدرت الثورة المصرية حكمها على عصفور منذ زمن. ولن تفيده تلك المقابلات التي ينشرها له اصدقاؤه في بعض الصحف في جعل الناس ينسون انتهازية مضمخة بالكذب والجهل. لكنها قد تنجح في الحصول له على جمهور من اشباه المثقفين والكتاب يمارس امامهم بهلوانياته الحقيرة.

حسام عيتاني  

الأحد، 6 فبراير 2011

هل يُعاد تعريف أحجام الدول العربية؟

لم يعد أي من الأصدقاء يعرف أين أصبحت المشاورات الرامية الى تشكيل الحكومة اللبنانية. باتت الأسئلة عما رشح من لقاءات الرئيس المكلف مع المسؤولين في قوى الموالاة والمعارضة السابقتين تقابَل بنظرات استغراب. عاد تشكيل الحكومة اختصاصاً سرياً لا يفقه رموزه وإشارته سوى قلة من الزملاء المعنيين حصراً بالسياسة اللبنانية.
تفسير ذلك موجود في عبارة من كلمتين تكفيان لإعادة كل نقاش إلى الحيز الذي يتراءى للجالسين أنه يستحق نقاشاً: «هذه مصر». ليس حجم التحرك وحده ما يجذب الأبصار، بل وقوعه في أكبر دولة عربية وأهمها من نواحٍ كثيرة ليس أقلها التاريخ والتأثير الثقافي والموقع الاستراتيجي.
ولعلنا ننتمي إلى جيل نسي الأثر المصري في الحياة العامة بسبب انقطاعه منذ بداية عهد الرئيس حسني مبارك، لأسباب عدة. ففي العقود الثلاثة الماضية لم تعد تأتينا من مصر أفكار ذات قيمة، سواء في السياسة أو الفنون أو الآداب. وبدا أن إخوتنا الذين ربّوا أجيــالاً سابقـــة مــــن المشرقييـــن والمغاربة على تذوق الفن المصــــري وعلــى تقديـــم مصر في الريادة في مجالات شتى، قد أصيبوا بالقحط وراح يظهر من بينهم من يقدم القديم والمبتذل والهالك على أنه أفضل ما يمكن ابتكاره. كان التراجع المصري العلامة الأبرز على النكبة التي أصابت العالم العربي معلنة فشل مشاريع التنمية والنهوض والحداثة، بمعانيها السياسية والاجتماعية والثقافية.
وربــــما يحق للبنانيين التأمل في معنى اجتياح اسرائيل بلدهم واحتلالهــــا عاصمتهم وتنصيبها رئيساً عليهم، عام 1982، بالتزامن مع تكريس الاختلال الهائل في موازين القوى الذي أحدثه خروج مصر ليس من الصراع العربي - الاسرائيلي فحسب، بل من كل مجـــال التأثير والفعل في المنطقة، واكتفاء الحكم فيها باتباع سياسة العداء للسياسة بما هي تفاعل وتداول ومشاركة وتبادل. الاجتياح الإسرائيلي لبنان كان علامة أولى وكبيرة على ما ينتظر الدول العربية من مآسٍ قد لا يكون غزو العراق ودماره سوى واحدة منها.
هذا ما تقوله الجغرافيا السياسية بمعادلاتها الكلاسيكية عن موازين القوى وحسابات الامتلاء والفراغ والجذب والدفع التي تشكلها المصالح المادية والإغراءات الاستراتيجية لكل مناطق العالم.
تقلص الدور المصري في الجوار العربي بذريعة الاهتمام بالقضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، شرع الأبواب أمام دول وقوى سعت الى ملء الفراغ. ومن «جبهة الصمود والتصدي» أواخر السبعينات، إلى «محور الممانعة» في العقد الأول من القرن الحالي، بــدا أن المنطقة لا تفلح في الشفاء من عرج يجعل سيرها أشبه بسلسلة لا تنتهي من حوادث السقوط ومحاولات القيام ثم السقوط من جديد.
وما قيل عن «عودة مصر» في النصف الثاني من الثمانينات بعد استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدول العربية والقاهرة التي استعادت مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (ومنصب الأمين العام)، لم يجد ترجمة عميقة له بين العرب، ليس لأن هؤلاء تغيروا في الثمانينات بعد ظهور جملة تحديات جديدة كالجمهورية الإسلامية في إيران والحرب العراقية - الإيرانية وانكشاف اهتراء الوضع العربي بعد العجز عن فرض حل سلمي في لبنان، بل أيضاً لأن مصر ذاتها قد تغيرت، ولأنها «عادت» نصف عودة، بسفاراتها وديبلوماسييها، لكنها عادت خالية من الحيوية والأدوار والأفكار التي كانت تحملها وتوزعها وتؤديها، على نحو كان يثير ضيق «الإخوة» والجيران.
لكن مجــــرد دبيب الروح في شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس وغيرها من المدن، بيّن أن مركز منطقتنا هو الذي انتفض وليس فرعاً أو ناحية قصيّة هامشية. وظهر مجدداً ضعف بل هزال كل دولة أو مدينة سعى أصحابها الى تكريسها مركزاً بديلاً عن القاهرة.
صحيــــح أنه من المبكر وقد يدخل في باب الافتعال، القول إن توازنــــاً سياسياً جديداً، سواء في الصراع العربي – الإسرائيلي او العلاقات العربية - الإيرانية أو في السعي إلى بناء مجتمع مدني وسلطــــة ديموقراطية عربيين، سينشأ عندنا وأن دولة الاستبداد العربيـــــة قد أزف وقت رحيلها. بيد أننا لا نستطيع الزعم، في المقابــــل، أن شيـــئــاً لـــــم يحدث وأن يقظة «الشباب المصري العظيم» لا تعني سوى تغيير طفيف وشكلي على سطح السلطة في مصر.
ما حـــدث وما سيحدث كبيــــر الأهمية، لا شك في ذلك ولا لبــــس. وسيتـــــرك أثره في المنطقة بأسرها، على ما تجمع أقلام وآراء من مشــــارب ومنابــــت مختلفة. و«عودة مصر»، بالمعنى هذا، قد لا تكون عودة مرحباً بها ممن سعى إلى احتلال موقع مصر في السياسة والاقتصاد وغيرهما. لكن ذلك لن يحول دون أن تؤدي مصر دوراً جديداً في المنطقة يختلف كثيراً عن ذلك الذي ألفه أهل المشرق العربي منذ ثلث قرن على الأقل.
وإذا كـــان استئناف الدور السياسي المصري يبدو في حكم المؤكــــد، بسبــــب ارتباطـــه بحماية المصالح المباشرة للدولة الوطنية المصرية والعمل على الاستجابة لمطالب الإصلاح التي عبرت عنها ثورة الشباب المصري، فهل يجوز الاعتقاد أن تغييرات مهمة ستدخل قريباً على دورة الاقتصاد المصري المصاب بأمراض الطفيلية والفساد وضآلة الكفاءات الماهرة (من غير المهاجرة)؟ وهل يعني ذلك أن خطاً مباشرا أقيم بين الحراك السياسي وبين كسر قوالب النمطية المفلسة التي أحاطت مجمل الإنتاج الثقافي المصري؟
على غرار كل انقلاب كبير، تطرح الثورة المصرية أسئلة أكثر مما تقدم من أجوبة. وبصرف النظر عن المآل الأخير للسلطة السياسية في القاهرة، يبدو الرهان على بداية مرحلة جديدة تحمل الكثير من الآمال، رهاناً رابحاً.

حسام عيتاني- "الحياة" 

وتيرتا لاهاي

في لاهاي معضلات أخرى غير تلك التي في بيروت، فالمحاكم الدولية المنتشرة في المدينة وفي ضواحيها حائرة بالوظائف التي أناطها بها المجتمع الدولي، على نحو صار بوسع زائر عابر سماع ضجيج القاعات المغلقة التي يتناقش فيها قانونيون حول "ما يعوق العدالة الدولية". ولعل في الكثير من هذه النقاشات ما يضفي على انقسامنا كلبنانيين حول محكمتنا، تلك التي أنشأها لنا مجلس الأمن الدولي، بعض الدلالات المختلفة.

أحد عناوين النقاش في لاهاي، وهو غير مرتبط حصراً بمحكمتنا، هو ذلك الفارق بين الوتيرة السياسية لتأسيس المحاكم، والوتيرة القانونية. فالمحاكم الدولية الخاصة (يوغسلافيا – رواندا- سيراليون-لبنان) أُنشئت بقرارات سياسية، أصدرتها أعلى هيئة سياسية دولية، هي مجلس الأمن. وصدرت هذه القرارات بلحظة سياسية أحاطت بها ظروف، وحركتها رغبات وإرادات دولية، أفضت الى تكليف قضاة وقانونيين بالسير في قضية وفق منطق قضائي ومسار طويل يقتضي السير به وقتاً وشروطاً وقواعد لا تقيم للحظة السياسية تلك وزناً وقيمة.

لكن وفي جميع حالات اشتغال السياق العدلي والقضائي، وسيره البطيء والحذر، يحصل ان الظروف السياسية التي أنتجته، تتبدل على نحو دراماتيكي. ومن دون الإتيان بأمثلة بعيدة عن هذا التبدل، يمكن استحضار الحالة اللبنانية بصفتها النموذج الأقرب زمنياً على هذا الصعيد. فالمحكمة اللبنانية أنشأها قرار دولي في لحظة سياسية دولية شديدة الاختلاف عن ما أعقبها، سواء لجهة الأطراف الدولية، او المعادلة السياسية الداخلية. فالأعضاء الدائمون في مجلس الأمن ممن كانوا أشد حماسة لتأسيس المحكمة، وهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، تغيرت ادارات الحكم فيهم على نحو جوهري، وتغير فيها المزاج السياسي أيضاً. صرنا في لحظة سياسية مختلفة تماماً، فيما اللحظة القضائية هنا في لاهاي ما زالت سائرة ببطئها ورتابتها العتيدة غير آبهة بذلك الضجيج السياسي الذي أحدثته التبدلات في دول القرار الدولي.

الصدام يحصل هنا، اذ ان العدالة في سيرها البطيء هذا تعوزها قوة دفع سياسية ما عادت توفرها الشروط الجديدة. صحيح ان التزام الدول تلك بتعهداتها المالية والسياسية حيال المحكمة لا يغيرها تبدل ادارة وحزب، لكن قوة الدفع تتراجع لمصلحة ترك المسار العدلي ليشتغل من دون وقود إضافي قد يحتاجه. فيصبح سيره رتيباً، ويتحول دأب القضاة والقانونيين في أروقة محاكمهم الى عملية تقنية مجردة من مضامينها الاجتماعية والسياسية.

قد يخدم هذا المصير نظرية تجرد العدالة من الدوافع السياسية والانحيازات، واشتغالها على وقع القوانين... فقط القوانين. لكن هنا في لاهاي لا يعيش مجتمع المحاكم الدولية على وقع همومنا وهواجسنا. السياسة هنا لا تعني انحيازاً او ريبة في القرارات التي تُصدرها المحاكم. السياسة في وعي مجتمع العدالة الدولية هي تدبير شؤون الدول، وهي الصالح العام. وعندما تفقد قضية ما حماسة السياسة لها، تفقد عامل دفع تحتاجه في سيرها وعملها. هذا الأمر، وان لم يكن شرط اشتغال المحاكم الدولية، لكنه شرط سرعتها، وصحيح ان محكمة دولية واحدة لم يوقفها تغير في الظروف السياسية التي أنتجتها، لكن الظروف السياسية نجحت في تأخير وتبطيء الكثير من أعمال المحاكم.

المحكمة الخاصة بلبنان محكومة بهذه المعادلة، وهي وان تكون قد نجت من تبدل الظروف التي انتجتها، وما زالت متمتعة برعاية دولية ملحوظة، لكنها تنتظر من دون شك محطات تبدل أخرى. والسباق بين الوتيرتين السياسية والقضائية محكوم بسرعة السياسة وبطىء المسار القضائي. والأطراف اللبنانية المعنية بمسار المحكمة يعمل بعضها على تسريع الايقاع السياسي ليسبق الايقاع القضائي، فيما بعضها الآخر عاجز عن تسريع الايقاع القضائي.

الارجح ان هذا هو جوهر المشهد السياسي اللبناني، الذي تكثفت صوره في الاسابيع القليلة الفائتة. هذا هو معنى ما جرى من استقالات للوزراء ومن تكليف لرئيس جديد للحكومة. وهذا ما يجب احتسابه خلال التفكير بمستقبل الحكومة الجديدة، اذ ان مهمتها وفق هذا المنطق خوض سباق مع استمرار الرغبة الدولية في عمل المحكمة. فهل سيتمكن الرئيس نجيب ميقاتي خوض السباق؟

حازم الأمين- "ناو ليبانون"

الجمعة، 4 فبراير 2011

طريق المستقبل يمر من مصر


 

يشق شباب مصر اليوم طريق المستقبل العربي. ويقاتل النظام دفاعاً عن الماضي والاستبداد والتحجر في كل منطقتنا. ليس أوضح من قسمة كهذه، على الأقل في اللحظة الحالية، قبل ظهور الحسابات الاستراتيجية وبعده. وقبل أخذ الحساسيات الإقليمية في الحسبان وبعده.
مصر، بطليعتها الشابة، قالت كلمتها. الحرية. وكل ما سيأتي تفاصيل. لا يجوز نكران أهمية التفاصيل هنا وتأثيرها في صوغ الحكم المقبل. فإن سقط الحكم بقوة الشارع أو بتدخل من الجيش، سنكون أمام واقع مختلف عن ذاك الذي سينشئه تخلي الرئيس حسني مبارك بإرادته، عن السلطة.
ونجاح الحوار في التقدم نحو ضمانات يلتزم الحكم فيها بالنقاط التي ذكرها مبارك في خطابيه (اللذين لم يحملا أي اقتراحات تنفيذية)، من دون حركات التفافية ومحاولات للتذاكي والقفز فوق الحقائق التي أفرزتها أحداث الأيام العشرة الماضية، سيوفر دليلاً على رغبة السلطة في حقن دماء المواطنين، وعلى حسن نيتها. العكس، بما يتضمن من حصر خيارات المعارضة بالإسقاط العنيف لمبارك وحكومته في الشارع أو بدبابات الجيش، سيعني أن الحكم الحالي دفع السلطة المقبلة إلى تبني خيارات جذرية، في الداخل والخارج، لن يكون سهلاً على الأنظمة العربية الأخرى قبولها.
تجذّر المطالب يوماً بعد يوم وتأخر النظام في تفهم عمق التحرك واتساعه، هما ما يجعل الغرب يحض مبارك على «بدء عملية التغيير وانتقال السلطة». بداهة أن أصحاب العداء الفطري للغرب لن يروا في ما تقوله إدارة باراك أوباما والحكومات البريطانية والفرنسية والألمانية (من بين آخرين كثر)، سوى تخلي السيد عن تابعه.
مرة جديدة، يخطئ أصحاب النظرة التبسيطية تلك. فالغرب يدرك تمام الإدراك أن مزيداً من الدماء في الشارع يعني المزيد من ارتفاع مطالب المعارضة والمزيد من التشدد في كيفية تحقيقها مطالبها ومحاسبة الأطراف التي تأخرت في تأييد الثورة. بهذا المعنى يمكن فهم المتحدث الأميركي الذي قال إن بلاده كانت تريد «تغييراً بالأمس».
سيكون أجدى النظر الى المستقبل والتفكير في أهمية الاستجابة للمطالب العادلة لشبان لم يعرفوا سوى المهانة والذل على أيدي «باشوات» النظام، بدلاً من التوسع في ذكر مثالب الحكم الذي أبدى برودة مَرَضية في تجاهل مآسي المصريين، منذ عقود.
وسيكون أجدى أيضاً، لبعض زملاء مبارك في الاستبداد وإن خالفوه في «الاعتدال»، الانتباه إلى الحقائق العارية التي حركت مصر وتونس قبلها والى المطالب البسيطة والعميقة، في آن، للشعبين المصري والتونسي، بالحرية واحترام إنسانية الإنسان وتداول السلطة سلماً. مسائل الصراع العربي- الإسرائيلي والعلاقات مع الغرب لم تحضر في خطاب المعارضة المصرية سوى من زاوية التنديد بتفريط مبارك بحقوق وكرامة مصر وليس من أي زاوية إيديولوجية. وهذه نقطة كبيرة الأهمية.
وفي استعارة لعبارة المسرحي الألماني بريخت، نقول انه «بما أن الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فإن الأمور لن تبقى عند هذا الحد». بكلمات أخرى، يسير الحكم في مصر، منذ 30 عاماً، وليس منذ 25 كانون الثاني (يناير) فحسب، من خطأ إلى خطأ. وعليه ألا يلوم سوى نفسه لما آلت إليه الحال.
الساعات المقبلة مهمة وحاسمة بالنسبة الى مصر أولاً، وبالنسبة ثانياً الى ملايين العرب الباحثين عن الحرية والكرامة ولقمة الخبز.

حسام عيتاني- "الحياة"