الثلاثاء، 17 يناير 2012

عنا، نحن سكان الجمهورية اللبنانية

لا يحتاج لبنان الى سكانه. هم عالة عليه. لا يحتاج الى مواطنين، فيطردهم. عمال وموظفون وقوادون ومرتزقة. ينشرون الحرف والحضارة والامراض الزهرية في العالم. نصابو العالم وكذابوه، خرجوا من بين ظهرانينا... ولا فخر.
لا يحتاج بلدنا الى عقول بحسب ما يزعمون. فهو ما زال يعمل بعضلات العبيد. وهؤلاء لا حاجة لهم إلى العقل. بل اننا نستورد عبيدا يساعدوننا في تظهير عنصريتنا وعقدنا... النفسية المستعصية. فنتغصب خادمة المنزل ونذل عامل الورشة ونهين الواقف امام محطة البنزين، لأننا عجزنا عن أداء أدوارنا كبشر وعن الارتقاء الى سوية الانسان العاقل. وكنا قد فشلنا في كل امتحان مررنا به، من امتحان الاستقلال الى امتحان الحرية، وها نحن نقف مذعورين نتفرج على ثورات جيراننا بحسد وخوف. حسد من ان يتحقق ما حلم بعضنا ذات يوم به عندهم، وخوف من ان نسقط في عادتنا الكريهة بترجمة كل حراك إلى احتراب واقتتال اهلي.
نحن عبيد بعضنا. عبيد ماضينا الذي لا يمضي ولا يحول ولا يزول. عبيد نظامنا السياسي –الاجتماعي القهري. عبيد حربنا الاهلية الباردة التي لن تنتهي. سلسلة لا أول لها ولا آخر من العبيد القاصرين عن أي فعل غير فعل الاستعباد حيال الآخر الأضعف وغير أداء شعائر العبودية أمام الآخر الأقوى. نقيم في الغرب ونكرهه. نقبض من شيوخ النفط ونحتقرهم. نسرق الافارقة ونعمم فسادنا في بلادهم. وحلمنا العودة الى بلدنا "قطعة السما" حيث يستطيع السني التلذذ بالحديث عن عهر الموارنة والشيعي التمتع بتقبيح غباء السني وجبنه، والدرزي يمجد ذاته بتذكر "عقصة نحلة" اردى بها جاره المسيحي.
اما عند الملمات فما اسرع ظهور مسؤولينا المنتخبين ديموقراطيا، بوجوههم الثقيلة والصقيلة، على الشاشات يعلنون موت بعض المنكودين، في طائرة تسقط في البحر، او في مبنى ينهار على فقرائه المحليين والمستوردين أو في انفجار أخوي عارض. وما ارشق السنتهم وأيديهم في حقننا بمخدر العنف الطائفي الذي يجعل النشوة تنتشر في أوصالنا لننام في انتظار استئناف المذبحة.
الإثم العنصري والبلد الفاشل والاقتصاد الريعي الشائن، حال لن نتقاسمه ولن نلقيه على قلة فاسدة. بل اننا لن نعالجه. فهو منا ونحن منه. فلا حياة لنا من دونه. لقد نسينا كيف نكون مواطنين كرماء في بلد كريم. ربما لم نعرف اصلا هذه الصفة في تاريخنا. لقد أصبح الغباء والذل والكراهية، عناصر لحمة هذا البلد وهذا الكم من البشر. فإذا سُحب اي من عوامل اللحمة هذه انهار البلد وعدنا الى الحرب الأهلية. وما هذه إلا الوجه الآخر لمجتمع ودولة اقيما على عجل "نكاية" بالعرب والترك. نكاية بالأديان والاكثريات والطبقات. وخصوصا نكاية بأي فهم سليم وبسيط للاقتصاد او الوجه الذي يتدبر فيه الانسان معاشه.
مات القاطنون في ذلك المبنى في الأشرفية. مات قبلهم كثر، من دون أثر او قيمة او كرامة. وسنموت كلنا في يوم قريب او بعيد، مذلون مهانون، غايتنا الحاق الاهانة بمن يرميه حظه في طريقنا والوقوف على اعلى تل نستطيع بلوغه والزعم اننا بناة حضارة ما، ثقافة ما، فكر ما... اما نحن، فنحن والعدم سواء.