الأربعاء، 19 يناير 2011

صباح أمس أرسل لي فادي "SMS" قال فيها:did u wake up؟
أجبته على الفور: yes.... ولم ينتظر طويلاً حتى عاد وسألني:do u know whats going on
عندها كان لا بد من وقف التخاطب عبر الرسائل واللجوء الى الاتصال المباشر. فقد كانت الساعة السابعة صباحاً، وكنت أهيىء نفسي للذهاب بأبني الى المدرسة.
 قال فادي انه سمع عبر التلفزيون خبراً عن انتشار عناصر من حزب الله في مناطق في محيط الوسط التجاري. لكن فادي يسكن في هذه المناطق تحديداً، وهو سمع بالخبر من التلفزيون، في حين يستطيع هو ان يقف على شرفة منزله لمعاينة صحة الخبر. وعندما سألته عن ذلك قال انه من منزله، او من غرفته، يشعر ان أمراً غير طبيعياً يحصل. بدا انه غير مستعد للتوجه الى الشرفة! لكن ما هو ذلك الأمر الذي يشعر بانه يحصل؟ وكيف لشخص ان يشعر من غرفته محكمة الاقفال ان ثمة ما يجري في الشارع تحت منزله؟
لا شك ان حاسة ما انضافت الى حواس الشم واللمس والنظر والسمع صارت تتيح لنا ان نشعر بان ثمة ما يجري حولنا، او ان نتخيل ذلك على الأقل.
فادي، لمن لا يعرفه، يمكنه ان يُصاب بذلك. اي يمكنه ان يحول وقائع تجري او لا تجري في الشارع الى نبض يشبه دبيب النمل في جسمه. يمكنه ان يصاب جراء ذلك بصداع او ان يشعر بالحاجة الى حك جسمه.
"أشعر ان أمراً غير طبيعي يجري في الشارع"، عندما يقول لك أحد ذلك في الساعة السابعة صباحاً، ومن دون ان يكون قد عاين ذلك بحواسه التقليدية، ففي الأمر فعل هذياني. لكن من الذي يهذي، فادي أم الشارع؟ لا أدري لماذا استعدت واقعة جرت في طهران، فور سماعي جملة صديقي الهذيانية تلك. فقد كنت مع صديقي محمد نقيم في فندق آزاد في شمال طهران في غرفتين متجاورتين، وكان ذلك في العام 1996. وفندق آزاد يبعد نحو كيلومترين اثنين عن أحد أشهر سجون طهران، أي سجن إيفين، الذي سُجن فيه كثيرون من "أعداء" الثورة الاسلامية في ايران.
وفي احدى الليالي التي لم يُسعفني فيها النوم باكراً، على نحو ما يصيبني في كثير من مدن  أزورها، قررت وقف معركتي مع الفراش، والتوجه الى الشرفة. كان الوقت الثانية فجراً، وما ان وقفت على الشرفة حتى اكتشفت ان محمد يقف على شرفة غرفته صامتاً ومصغياً الى الظلام، اذ لم يكن في مقابل الشرفة الا الظلام! سألته ما اذا كان غير قادر على النوم فنفى، وقال: أحاول الاصغاء بتركيز عساني أسمع أصواتاً منبعثة من السجن. كان ذلك مستحيلاً، لكنك في طهران قد تشعر أن للمحاولة معنى. يمكن في طهران ان تشعر ان الليل والظلام الحالك قد يوصلان اليك صوت سجين ما في سجن إيفين. انه هذيان طهراني، على نحو ما صار لبيروت هذيانها، ولصنعاء ودمشق وغيرها من مدننا...
أوصلت ابني الى المدرسة مغلباً اعتقادي بعدم صحة الخبر، وميلي الى تفسير شعور فادي بانه شيء من نوع "حزب الله سندروم" التي أصابتنا جميعاً في أعقاب "7 أيار". وفي الطريق الى المدرسة اتصلت بصديقة عساها تساعدني في تحديد خط انتشار محتمل لـ"شباب الحزب" فاتفاداه. الصديقة لم تكن على علم بالوقائع الوهمية التي تجري. لم تشاهد التلفزيون، ولم يتصل بها فادي. علماً ان الطريق الذي أسلكه متوجهاً من منزلي الى المدرسة، يسلكه زوجها كل صباح الى مكتبه، فتوليت انا نقل ما أعاينه على الطريق لها. كانت الساعة في حينها بلغت السابعة والنصف، ولم أشاهد شيئاً غير طبيعي. من السوديكو مروراً بالداون تاون ووصلاً الى جل البحر. كل شيء عادي، باستثناء انعدام الازدحام.
وصلت الى المدرسة وترجل آدم ابني من السيارة وأطلق نظرة الى البحر مصحوبة بابتسامة عادية، وتوجهنا الى الرصيف الذي يُفضي الى بوابة خصصت لدخول التلامذة الذين في عمر ست سنوات وما دون. ولم ألتق اثناء دخولنا بالكثير من الامهات الممسكات بأيدي أولادهن متوجهات بهم الى المدرسة، خلافاً لما يحصل كل يوم.
ضحكت في طريق عودتي كثيراً على ما قاله فادي. تذكرت ان صديقي هذا مصاب بشيء من الخرس، اذ انه عجز عن ان يُفسر لي ماذا كان يعني عندما قال انه يشعر بان ثمة ما يجري في الشارع. فسّرت ذلك بانه نوع من الإعياء الهجاسي الذي أحبه في صديقي. ولم أفكر للحظة  ان فادي كان مصيباً بما شعر به... من دون ان يراه او يسمعه او يشمه.
في المقهى اكتشفت ان فادي كان محقاً، فقد انتشر عناصر يرتدون ثياباً سوداء في بيروت وفي المناطق المحيطة بالوسط التجاري فيها. اي في المناطق التي عبرتها. لكنهم غادروا في السابعة صباحاً. بدأوا انتشارهم في الخامسة صباحاً وأنهوه في السابعة. حصل ذلك على نحو عفوي على ما قال مسؤول في حركة أمل.
"على نحو عفوي في الخامسة صباحاً". وعندما سمعت بذلك، استعدت مشهد خروج أبني من السيارة متوجهاً الى المدرسة ومطلقاً العنان  لانظاره تطارد سفينة في البحر. أصبت بحيرة عندما حضرني ذلك من تلقائه. ربما كانت مقارنة غير واعية وغير منضبطة بين عفوية التصرفين. وربما تسلل شك الى نفسي جراء السخرية التي رحنا نتحدث فيها عن "التحرك" الذي نفذه حزب الله. اذ ان عفوية من هذا النوع ربما تكون مقيمة أيضاً في ذهن طفل لم يبلغ الست سنوات!!! لماذا فعل ذلك على كورنيش البحر، فالأمر محير فعلاً؟ وكيف لطفل ان يقف من تلقائه في مواجهة البحر، من دون ان يرف له جفن.
علينا منذ الآن ان نكف عن أي فعل عفوي. لقد أصابنا الشك ولم يعد في امكاننا ان نفعل ذلك. لقد أفسَدنا القرار بالتحرك العفوي وصار علينا ان نغض الطرف عن باخرة عابرة في بحرنا.

حازم الامين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق