الأربعاء، 26 يناير 2011

الامانة العامة

لم أخفِ يوماً ضيقي بحزب الله. باشرت ضيقي بالحزب مبكراً جداً، اذ أنني نشأت على ذلك بفعل أسباب كثيرة، ربما أعرضها ذات يوم. لكنني اليوم لست بصدد التعرض لهذه الضائقة، انما بصدد عرض ضائقة موازية، منبثقة عنها، لكنها غير منسجمة مع صورها. ضائقتي هذه تتمثل في حقيقة انني أتشارك مشاعري حيال الحزب وحيال دوره مع كثر ممن يبعثون في داخلي مشاعر لا تقل سلبية عن تلك التي يبعثها الحزب في وجداني، وان كانت من غير مادتها.
ومن دون مقدمات كثيرة، وبكل صراحة ومن دون مواربة، لا أدري لماذا يبعث في كل اجتماع للامانة العامة لـ"14 آذار" تعرضه محطات التلفزة شعوراً يشبه الغثيان. مع اعتذاري من أصدقاء كثراً قد تظهر صورهم في هذا الاجتماع.
نعم هذا ما يصيبني وبكل صراحة. ثمة وجوه لا أعرف أصحابها، انما أتخيلهم، ووجوه أخرى أعرف أصحابها جيداً وأعرف سبب بعثها الغثيان في داخلي. وفي كل مرة يُقدم فيها حزب الله على فعلة وعلى خطوة يترجم فيها "فعاليته"، تجتمع الأمانة العامة هذه وتصدر بياناً يقرأه منسقها، وتتولى محطات التلفزة نقله عبر مقدمة تعرض خلالها صور الاجتماع، فيظهر فيها من بين المجتمعين رجل في العقد السادس من عمره ،شعره طويل، لا أعرفه، وأتساءل كلما شاهدته: من يكون هذا الرجل؟
نعم لي أصدقاء في هذه الأمانة العامة، من بينهم من أصابت "الأمانة" ذكاءه، وأفقدته حصافة.
هل لواحدنا ان يخجل من عدم انسجامه مع نفسه؟ انها واحدة من لحظات انعدام التوازن الداخلي، لكنها الحقيقة التي أخفيها عن كثيرين ممن يأملون مني ان أحب "الأمانة العامة" هذه. ففي أحد الأيام وبينما كنت عائداً من مقهى الـ"تشيز" في الأشرفية الى منزلي، مشياً، هناك حيث مقر "الأمانة العامة"، واذ بشاب من "اليسار الديموقراطي" يقترب بسيارته مني ويسألني "شو لوين على الأماني". هذا الشاب اعتقد أنني متوجه الى مكتب "الأمانة العامة". شكرته على عرضه على نقلي بسيارته وتابعت سيري مشياً الى منزلي!
هذه الواقعة العادية ولدت صوراً كثيرة في مخيلتي. "شو لوين على الأماني". تذكرت البداهة التي كنا نسمي فيها الأمكنة عندما كنا في مثل عمره. كان للحزب الذي أنتميت اليه في تلك الفترة مركزين في المدينة، الأول كان مركز "المحافظة" والثاني "المنطقية". الأول يدار منه نشاط الحزب في محافظة الجنوب والثاني يدار منه نشاطه في مدينة صيدا. وكنا نسمي الأول "المحافظة" ونسمي الثاني "المنطقية".
لا أدري لماذا أشفقت لحال الشاب، بعد ان استعدت ما لهجناه في سنوات كنا خلالها في مثل عمره. "شو لوين على الأماني"، قالها على نحو مختلف عما كنا نقولها نحن "شو لوين على المنطقية". ورحت خلال اجتيازي المسافة بين مقهى الـ"تشيز" ومنزلي، أجرب صوتي ناطقاًعبارتي "الأماني" و"المنطقية" لأقارن بين اللفظتين. وخرجت بنتيجة أشفقت فيها على حال الشاب، علماً ان المشاعر التي تصيبني عندما استعيد صوراً من فتوتي وشبابي في الحزب كثيرة ومتناقضة لكن الشفقة ليست من بينها.
ماذا يمكن ان تقدم "الأمانة" لشاب في مثل عمر صاحبنا. أحزابنا قدمت ما هو أبشع، لكنه لم يكن عديم الجاذبية. قدمت سلاحاً ونفوذاً وقادة عسكريين، وقتالاً وأعداء وتمرداً على الأهل، وكلاماً قليلاً وأفعالاً كثيرة، ونساء ورجالاً ووجوهاً ولحى طويلة. كل ذلك لا أتخيله موجوداً في "الأمانة"، وهو ما دفعني الى الاشفاق على حال الشاب المنتمي الى اليسار الديموقراطي والمتوجه الى مركز امانتها العامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق