الأربعاء، 26 يناير 2011

على أي نحو يمكن تدبير "الاحباط السني"


حازم

لمزيد من الانسجام مع النفس، على تيار المستقبل وإعلامه ومفوهيه ان يستبدل العبارة التي يحرص على ان تسبق تعريفه رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي، وهي "مرشح ولاية الفقيه لرئآسة الحكومة اللبنانية" بعبارة أخرى، وهي "المرشح الذي نجح الولي الفقيه بايصاله الى رئآسة الحكومة اللبنانية". وليس ذلك من باب تبني عبارة "المستقبل" انما على سبيل البداهة والدقة. كما ان الاستبدال هذا يطرح على "المستقبل" مهمة ضرورية تعوزه في القادم من الايام، وتتمثل في مراجعة ما حصل بصفته فشلاً في الصمود في وجه "ولاية الفقيه"، تلك المهمة التي طرحها على نفسه. فالقول بان ميقاتي هو "المرشح الذي نجح الولي الفقيه بايصاله الى رئآسة الحكومة في لبنان" تعني ان ثمة من فشل في منع ذلك.
المكابرة لن تفيد، نعم هناك فشل حصل، وهناك من يجب ان يدفع الثمن، والا سيتكرر الفشل.
الأسابيع التي سبقت هذا الفشل حملت الكثير من الدلالات على هذا الصعيد، ولم تكن نقلة وليد جنبلاط الدراماتيكية وحدها من تواطأ على انتاج هذا الفشل. فرئيس الجمهورية ميشال سليمان لم يكن أقل انخراطاً في عملية اقصاء الحريري، وخطوة تأجيله الاستشارات عندما كانت المؤشرات في مصلحة الأخير عينة صغيرة على هذا الدور. الجيش اللبناني أيضاً أدى بعضاً من المهمة عندما وقف مكتوف الأيدي في ذلك الصباح الذي نزل فيه أصحاب البدلات السود الى الشوارع مهددين، وهو الأمر الذي دفع جنبلاط الى النتقال عنوة الى تسمية ميقاتي.
بهذا المعنى يمكن ان يسمى ميقاتي مرشح "ولاية الفقيه"، لكن في لبنان لا قيمة لهذه التسمية، اذ ان واقعة القمصان السود سريعاً ما يمكن هضمها في سياق بحث الطوائف عن ضلالاتها على حساب أي معنى، ويمكن لـ"المستقبل" ان يجري صفقة صغيرة تطيح بالدلالات التي حملتها تلك الواقعة.
من الواضح سلاح حزب الله هو حجر زاوية الحياة السياسية في لبنان. لا قيمة لشيء في ظله. لا انتخابات نيابية، ولا حسابات طائفية، ولا مؤسسات رسمية. وفي ظل هذه الحقيقة يبدو ان ما شُهر في وجه الحزب يُعزز قيمة هذا السلاح. الشيء الوحيد الذي شُهر في وجه سلاح حزب الله حتى الآن هو الطائفة السنية. وهذا الأمر يُفضي الى حقيقتين، الأولى تعاظم الحاجة الشيعية لهذا السلاح، ثم انبثاق حاجة الى سلاح موازٍ، اذا لم يكن "المستقبل" في صدد تأمينه، فان المتبرعين بذلك بدأوا بحثهم.
ما جرى في الشارع يوم الثلثاء المنصرم، يوم تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة، يؤشر الى ذلك. المشهد أوحى ان "المستقبل" بدأ يتداعى. فهو عجز عن الانخراط رسمياً في مشهد الشارع، لكنه عجز أيضاً عن التنصل مما جرى. هذا على مستوى الممارسة، أما على مستوى الخطاب، فقد كان الارتباك واضحاً بين التيار وبين وجوهه. فبينما كان سعد الحريري يوجه النداء الى الالتزام بالهدوء كان مصطفى علوش صائلاً في ساحة النور في طرابلس، واذا كان هذا مجرد توزيع للأدوار، فقد بدا ركيكاً ولا وظيفة له.
تحول "المستقبل" من ممثل لظلامة السنة معبراً عنها بوجوه النسوة والكهول، وبشرائح مدينية متوسطة، الى ممثلاً لغضبطهم وثأرهم. وهو أي "المستقبل" لن يتمكن من الاستمرار بهذه المهمة لأسباب كثيرة، أوجهها طبيعة زعامته، وأقلها وجاهة ركاكة بنيته.
لكن من سيرث الفراغ الذي سيخلفه ذلك؟
نجيب ميقاتي مثلاً؟ يبدو لي ان الأخير ربما يرث جماعة "الآنسات"، تللك المتنسكة برداء تدين مديني لا يمكن صرفه في ضائقة السنة اللبنانيين، مع ما يحيط بهذه الجماعة من قيم السكون المديني، والميل الى التدثر والانكفاء. أما متن الضائقة فلا حظ كبيراً لميقاتي لوراثتها. فـ"المستقبل" ربما ينجح بمهمة واحدة في القادم من الأيام، تتمثل في تثبيت ادعائه ان ميقاتي "رئيس حكومة ولاية الفقيه" في أذهان السنة اللبنانيين، وهو أمر لن يُساعد ميقاتي في سعيه للوراثة.
الورثة يجب ان تتوافر فيهم شروط أخرى، ولعلها المرة الأولى التي يشعر فيها المرء بان ثمة قادم جديد الى البيئة السنية اللبنانية، وذلك لاسباب كثيرة:
1- الفراغ الذي بدأ يُخلفه تصدع "المستقبل".
2- الاحباط الذي خلفته الخسارة في المواجهة مع حزب الله.
3- تماهي الضحية مع جلادها لجهة قوته و"فعاليته".
4- الشعور باليتم الاقليمي وبابتعاد "الامة" عن وليدها.
توافر هذه الشروط يدفع أصحاب طموحات الاستثمار الى مباشرة سعيهم. فلنتذكر ان البيئة السنية العراقية كان البعث معششاً فيها، وما ان تعرض موقعها للاهتزاز حتى استبدلته بخيار يليق بمواجهة الاقصاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق