الجمعة، 4 مارس 2011

أوهام!



استقالة رئيسي الوزراء التونسي والمصري محمد الغنوشي وأحمد شفيق من منصبيهما واكتساب الثورة الليبية المزيد من التأييد الداخلي والدولي واتساع التحركات المناهضة لنظام علي عبدالله صالح في اليمن وتجذر مطالب المعارضة البحرينية، هي عناوين أحداث الأيام الماضية.
وعند إضافة إمكان تمدد التحركات المطالبة بالإصلاح إلى العراق ولبنان وغيرهما، يبدو لنا أن ركاماً عالياً من الأوهام قد بدأ بالانهيار وأن الغبار يلف الجميع ليطلق أوهاماً جديدة، بدوره.
فواهم من يعتقد أن في الوسع تطويق زخم الثورتين التونسية والمصرية، على ما دلت الإطاحة بالغنوشي وشفيق. وواهم من يعتقد أن الهياكل الإعلامية للنظامين السابقين ستبقى في منأى عن المساءلة، على ما يرى بعض انتهازيي الصحافة المصرية، على سبيل المثال، والذين بدلوا مواقفهم من الدعوة الصريحة إلى سحق وإحراق المتظاهرين في ميدان التحرير إلى التمسّح بهم طلباً لبركات الثورة، في أقل من أربع وعشرين ساعة.
وواهم من يراهن على أن النظام الأمني –البيروقراطي في تونس ومصر سيبقى مغلقاً ومليئاً بالألغاز العصية على فهم الثوار، حتى لو أُضرمت النار في كل المراكز الأمنية التونسية أو هُرّبت ملفات أجهزة المباحث وأمن الدولة وغيرها في مصر.
وواهم من يقول أن الثورات العربية ستتوقف عند القشور ولن تبلغ عمق التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد التي تأثرت بالأحداث الأخيرة وأن الأوضاع ستعود إلى ما كانت عليه في أعوام الركود المصري والاستبداد التونسي. نظرة سريعة الى المأزق الذي تعانيه البورصة المصرية التي تؤجل عودتها الى العمل منذ أكثر من شهر، كفيلة بطرح أسئلة كثيرة عن مستقبل رؤوس الأموال التي جمعت من نهب المال العام وكيفية تعامل السلطات الجديدة معها، وما يتفرع عن ذلك من سؤال عن مصير الطبقة الطفيلية التي تعيشت طويلاً على عرق المصريين والتونسيين.
وواهم من يظن أن مد التغيير العربي لن يصل إليه. وبغض النظر عن الجدال في دور القضية الفلسطينية وموقف الأنظمة المنهارة منها، وبغض النظر عن مقولات عودة الحياة الى القومية العربية التقليدية (بصيغتيها البعثية والناصرية) في الوقت الذي تعلن الثورات طلاقها مع أنظمة استمدت شرعيتها من النظرية تلك، تتشارك الشعوب العربية في تفارقها الهائل عن الأنظمة الحاكمة والقيم المفروضة عليها.
وإذا كان بعض السياسيين (في لبنان، مثلاً) قد لاحظ أن ما من تظاهرة واحدة قصدت السفارتين الإسرائيلية أو الأميركية في القاهرة، فذلك لا يعني تجاهلاً للمكون الوطني المناهض للاحتلال في التحركات العربية، بل على العكس تماماً. إن ذلك يشير إلى أن النظرة السابقة الى الصراع العربي –الإسرائيلي تخضع حاليا لإعادة تقييم عميقة تأخذ في الاعتبار المصالح الملموسة للدولة الوطنية، بعيداً عن شعارات استغلتها الأنظمة لتفرغها من كل مضمون حتى باتت أشبه بالإهانة الموجهة الى المواطن العربي.
في المقابل، واهم من يستسهل تقدم الثورات واتساع رقعتها وتعميقها مكتسباتها. وما يجري في تونس ومصر من مقاومة شرسة تبديها بقايا النظامين السابقين والحرب التي يشنها القذافي على شعبه، علامات صريحة على أن الماضي يأبى أن يمضي قبل أن يستنفد كل فرصه وحظوظه حتى لو غرق العالم العربي بأسره بالدماء.
وواهم من يحصر مطالبه بتغيير صورة الحاكم في الدوائر الرسمية. والانتكاسات والتراجعات وتسلل النخب القديمة من نوافذ البيوت التي طردوا من أبوابها، هي من الممارسات المرافقة لحركات التغيير في تاريخ العالم. ونهاية «الاستثناء العربي» تملي الاستعداد للانخراط في التاريخ.

حسام عيتاني -"الحياة" 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق